فصل: ذكر خلافة المعتمد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التنبيه والإشراف (نسخة منقحة)



.ذكر خلافة المعتز:

وبويع المعتز الزبير بن جعفر المتوكل، ويكنى أبا عبد الله، وأمه أم ولد رومية تسمى قبيحة- البيعة العامة يوم الخميس لثلاث ليال خلون من المحرم سنة 252 بعد خلع المستعين نفسه. وصار إليه وصيف وبغا. فردهما إلى مراتبهما، ولم يزل يعمل في الحيلة عليهما إلى أن شغب الموالي فقتلوا وصيفاً يوم الجمعة سلخ شوال سنة 253.
ثم ركب المعتز في بعض الليالي، وقد بلغته عن بغا غرة ليوقع به، فهرب بغا إلى نواحي الموصل، ثم عاد متخفياً في زورق صغير منحدراً في دجلة لتدبير يوقعه على المعتز فعلم فظفر به بجسر سر من رأى، وعرف المعتز خبره فأمر بقتله فقتل سلخ ذي القعدة سنة 254 وحمل رأسه إليه، فغلب على الأمر وتفرد بالتدبير صالح بن وصيف، وكانت نيته للمعتز فاسدة، وبلغ صالحاً التدبير عليه فقبض عليه وخلع لثلاث ليال بقين في رجب سنة 255 وقتل بسر من رأى لثلاث خلون من شعبان من هذه السنة، وله أربع وعشرون سنة، وكانت خلافته منذ خلع المستعين إلى أن خلع هو ثلاث سنين وستة أشهر وأربعة وعشرين يوماً وكان أبيض الوجه، أسود الشعر، حسن العينين، لم ير في الخلفاء مثله جمالاً، يؤثر اللذات، ويعدم الرأي، تدبره أمه قبيحة وغيرها وغلب على أموره وقهر في سلطانه، واستوزر جعفر بن محمود الإسكافي ثم عيسى بن فرّخانشاه، ثم أحمد بن إسرائيل وكانت الكتب تخرج باسم صالح بن وصيف. كأنه مرسوم بالوزارة لغلبته على الأمر، وكان نقش خاتمه المعتز بالله وقاضيه الحسن بن أبي الشوارب الأموي، وعلى حجبته صالح بن وصيف، وبايكباك.

.ذكر خلافة المهتدي محمد بن هارون:

وبويع المهتدي محمد بن هارون الواثق ويكنى أبا عبد الله وأمه أو لد رومية تسمى قرب- يوم الأربعاء لثلاث ليال بقين من رجب سنة 255، والغالب على الأمر والقيم بالتدبير صالح بن وصيف إلى أن قدم موسى بن بغا الكبير من الري- وكان هناك عاملاً- منكراً ما جرى على المعتز وكتب إليه المهتدي في الرجوع من حيث أقبل، ووجه إليه رسلاً في ذلك فأبى، وكانت موافاته سر من رأى في المحرم سنة 256 ولما قرب منها اختفى صالح بن وصيف، وأطلق المهتدي لسانه في موسى بن بغا، ونسه إلى المعصية لمجيئه بغير إذن، إلى أن أخذ كل واحد منها على صاحبه الأيمان والمواثيق بالوفاء والمناصحة، وطلب صالحاً طلباً حثيثاً فظفر به، وقتل لثمان بقين من صفر من هذه السنة، وغلظ أمر مساور بن عبد الحميد الشاري مولى بجيلة ببلاد الموصل، وشهر زور والجبال وغيرها من البلاد، فتجهز موسى بن بغا للخروج إليه، ومعه بايكباك في جيش عظيم فخرجا إليه فلقياه وهزماه وقتلا من أصحابه جمعاً فكتب المهتدي إلى بايكباك بالتفك بموسى، وتسلم العسكر، فأطلع بايكباك موسى على الكتاب، وسار إلى سر من رأى، لمواقفة المهتدي على كتابه، فلما حصل عنده قبض عليه، وشغب أصحابه فرمى إليه برأسه، وذلك في رجب من هذه السنة وخرج أبو نصر بن بغا أخو موسى فخرج فعسكر بخارج سر من رأى في جمع من الموالي، فوجه إليه المهتدي فأعطاه الأمان، فلما صار إليه قتله، فتنكر له الموالي وشغبوا عليه، فخرج لحربهم في المغاربة والفراعنة والأشروسنية واستنصر بالعامة فهزموه وأسر وبه ضربات مثخنة وقتل بسر من رأى لأربع عشرة ليلة بقيت من رجب سنة 256 وله أربعون سنة وأربعة أشهر، وكانت خلافته أحد عشر شهراً وثمانية عشر يوماً، وكان مربوعاً، حسن الجسم، رحب الجبهة، أشهل العينين، عظيم البطن، طويل اللحية، أجلح وكان ورعاً، كاد أن يكون في بني العباس مثل عمر بن عبد العزيز في بني أمية هدياً وفضلاً وقصداً وديناً فصادف أقواماً لا يجوز عندهم أخلاق الدين ولا يريدون إلا أمر الدنيا، فسفكوا دمه، وتشتت أمورهم بعده واستوزر في أيامه على قصرها جماعة كل سلم عليه الوزارة منهم جعفر بن محمود الإسكافي، ومحمد بن أحمد بن عمار، وسليمان بن وهب، وكان نقش خاتمه محمد أمير المؤمنين وقاضيه الحسن بنمحمد بن أبي الشوارب، وحجابه صالح ابن وصيف، ثم موسى بن بغا، وعبد الله بن دكين.

.ذكر خلافة المعتمد:

وبويع المعتمد أحمد بن جعفر المتوكل، ويكنى أبا العباس، وأمه أم ولد تسمى فتيان- يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة بقيت من رجب سنة 256 فأهمل أمور رعيته وتشاغل بلهوه ولذاته حتى أشفى الملك على الذهاب، فغلب على أمره وتدبير ملكه وسياسة سلطانه أخوه أبو أحمد الموفق طلحة بن جعفر المتوكل، ويسمى بالناصر لدين الله وصيره كالمحجور عليه ولا أمر ينفذ له ولا نهي، فقام بأمر الملك أحسن قيام، وقمع من قرب من الأعداء، واستصلح من نأى، على كثير ما كان يلقى من اعتراض الموالي وسوء طاعتهم وتشغبهم، فلم تزل أمور الموفق جارية على ذلك إلى أن توفي بمدينة السلام في صفر سنة 278 قال المسعودي: وكان خروج المعتمد من سر من رأى إلى مدينة السلام يوم السبت لثلاث خلون من جمادى الآخرة سنة 262 في جيوشه للقاء الصفار فاجتاز بها وصار إلى الموضع المعروف باضطربذ بين السيب ودير العاقول من شاطئ دجلة فكانت الواقعة هناك مع يعقوب بن الليث الصفار يوم الأحد لسبع خلون من رجب من هذه السنة، فهزم الصفار واستبيحت عساكره، وعاد المعتمد إلى سر من رأى في شعبان من هذه السنة، وسار الصفار إلى جنديسابور من كور الأهواز، فتوفي بها في شوال سنة 265 وكان مقتل علي بن محمد صاحب الزنج، المنتمي إلى آل أبي طالب في صفر سنة 270 وكان ظهوره بالموضع المعروف ببر نخل ناحية المفتح من أعمال البصرة للنصف من شوال سنة 254 في خلافة المهتدي وغلب على البصرة، وأكثر كور الأهواز وما يلي أرجان من أرض فارس وواسط إلى الموضع المعروف بالنعمانية وجرجرايا من شاطئ دجلة إلى الطفوف ونواحي الكوفة، وغير ذلك من النواحي، وكانت أيامه مذ نجم إلى أن قتل أربع عشرة سنة وأربعة أشهر وتنوزع في عدة من قتل من أصحاب السلطان وغيرهم من الرجال والنساء والصبيان بالسيف والحرق والغرق والجوع، فمنهم من يقول إن ذلك ألف ألف وأكثرهم يرى أن ذلك لا يحيط به الإحصاء، ولا يحصره العدد كثرة عظما، وأدخل رأسه بغداد بين يدي المعتضد، وقد زينت له الطرق وعقدت له القباب، ويم الاثنين لأربع ليال بقين من جمادى الآخرة سنة 270 وتوفي المعتمد ببغداد لإحدى عشرة ليلة بقيت من رجب سنة 279 وله خمسون سنة وأشهر، وقيل ثمان وأربعون سنة، فكان خلافته ثلاثاً وعشرين سنة وثلاثة أيام. وكان حسن الجسم، كبير العينين طويلاً جسيماً، طويل اللحية، عظيم الهامة وولي الخلافة على وجل من أوليائه وحذر من مواليه فرد الأمور إليهم حتى قام بالأمر أخوه أبو أحمد الموفق على ما قدمنا، واستوزر عبيد الله بن يحيى بن خاقان، ثم الحسن بن مخلد بن الجراح، ثم سليمان بن وهب، ثم الحسن بن مخلد ثانية، ثم أبا الصقر إسماعيل بن بلبل، ثم الحسن بن مخلد ثانية، ثم أبا بكر بن صالح ابن شيرزاد، ثم إسماعيل بن بلبل ثانية وكان نقش خاتمه المعتمد على الله يعتمد وقاضيه الحسن بن محمد بن أبي الشوارب، ثم أخوه علي بن محمد، وحجبته يارجوخ التركي، وكيغلغ، وحسنج وهو الحسن بن ترتنك، وخطارمش، وبكتمر.

.ذكر خلافة المعتضد:

وبويع المعتضد أحمد بن طلحة الموفق ويكنى أبا العباس وأمه أم ولد تسمى حقير- يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب سنة 279 وتوفي بمدينة السلام ليلة الأحد وقيل الثلاثاء لثمان بقين وقيل لست ليال بقين من شهر ربيع الآخر سنة 289 وله سبع وأربعون سنة فكانت خلافته تسع سنين وتسعة أشهر واثنين وعشرين يوماً وكان نحيفاً ربعة من الرجال حسن اللحية خفيف العارضين يخضب بالسواد سريع النهضة عند الحادثة قليل الفتور، يتفرد بالأمور ويمضي تدبيره بغير توقف، ولي الأمر بضبط وحركة وتجربة، وكف من كان يتوثب ويتشغب من الموالي واستوزر بعد القبض على الوزير إسماعيل بن بلبل، عبيد الله بن سليمان بن وهب، ثم القاسم بن عبيد الله وكان نقش خاتمه الحمد لله الذي ليس كمثله شيء وهو خالق كل شيء وقاضيه أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد مولى الجهاضم من الأزد، وكان مالكي المذهب، ثم يوسف بن يعقوب، وهو ابن عم إسماعيل وأبو خازم عبد الحميد بن عبد العزيز الحنيفي البصري على قضاء الشرقية. وحاجبه صالح الأمي، ثم خفيف السمرقندي. ولم يل الخلافة من بني العباس بعد السفاح والمنصور إلى وقتنا هذا من لم يكن أبوه خليفة إلا المستعين والمعتضد.

.ذكر خلافة المكتفي:

وبويع المكتفي علي بن أحمد المعتضد، ويكنى أبا محمد وأمه أم ولد يقال لها خاضع وتلقب جيجق في الوقت الذي توفي فيه المعتضد، وتوفي بمدينة السلام ليلة الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة 295 وله إحدى وثلاثون سنة وستة أشهر، وقيل أكثر من ذلك؛ وكانت خلافته ست سنين وتسعة عشر يوماً وكان دقيقاً أسمر اللون أعين قصيراً حسن الشعر واللحية كبيرهما، حسن الوجه والبدن، أفضى الأمر إليه بعد توطئة أبيه الأمور له، فبلي بكثرة الفتوق عليه واضطراب الأطراف. وكان ماله جماً، جيوشه كثيفة، فقام بتلك الأمور مقتفياً فعال أبيه، محتذياً طرائقه، ولمي كن ممن يوصف بشجاعة ولا جبن وكان نقش خاتمه كنقش خاتم أبيه المعتضد الحمد لله الذي ليس كمثله شيء وهو خالق كل شيء وعلى قضائه يوسف بن يعقوب وابنه محمد بن يوسف، وأبو خازم، ثم صير مكانه عبد الله بن علي بن أبي الشوارب الأموي، وحاجبه خفيف السمرقندي، ثم سوسن مولاه ومما كان في أيام المكتفي من الحوادث العظيمة التي يجب ذكرها خروج القرمطي صاحب الشأم المكنى أبا القاسم، المنتمي إلى آل أبي طالب، وليس منهم في قبائل الكلبيين مما يلي السماوة سنة 289 وسار إلى ناحية الرقة من بلاد مضر فلقيه سبك الديلمي عاملها فاصطلمه القرمطي، ومن معه من الجنود، وسار إلى نواحي دمشق فلقيه طغج بن جف الفرغاني عامل دمشق وحمص والأردن لهارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون صاحب مصر والشأم بالموضع المعروف بوادي القردان والأفاعي من أعمال دمشق سلخ رجب سنة 289 وأول . . . أن معه من القواد . . . لموضع المعروف بالكده . . . من شهر ربيع الأول سنة 290 فهزمه أيضاً قتل خلقاً من أصحابه، وحصره بدمشق ثلاثة أشهر وعشرين يوماً يقاتله أشد قتال والحرب بينهما سجال وتقرمط أكثر من حول دمشق من الغوطة وغيرها وعاضدوه فوافت عساكر المصريين وانضم إليه طغج فواقعوه بالموضع المعروف بكناكر وكوكبا على يوم من دمشق غرة رجب من هذه السنة، فقتل القرمطي في المعركة وانهزم المصريون بعقب ذلك.
فبايع القرامطة أخاً له يكنى أبا الحسن، وعاودوا حصار دمشق، يغادون أهلها القتال، ويراوحونهم.
وقد أسلمه سلطانهم، وخرج منهم، ورحل القرمطي عنهم إلى حمص يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب من هذه السنة.
فأقام بها، ووجه إلى مدينة بعلبك من أعمال دمشق. فأباد أهلها، فنهض المكتفي حينئذ عن مدينة السلام في عساكره، وقدم أبا الأغر خليفة من المبارك ابن خليفة السلمي أمامه، فنزل أبو الأغر بظاهر مدينة حلب.
واجتاحت ما بين حمص وحلب وأنطاكية . . . المكتفي، وأنهض الجيوش . . . بنواحي البر مما يلي شيزر . . . من المحرم سنة . . . من أصحابه، وأسر جمع كثير، ووقع بين من بقي منهم تحزب، ففارقهم القرمطي مختفياً، وعمل بالمصير إلى ناحية الكوفة، فظفر به وإلى الدالية من أعمال الرحبة، وسقى الفرات ومعه أربعة نفر أو خمسة.
فقبض عليه وحمل إلى المكتفي بالرقة، فأدخل يوم الاثنين لأربع ليال بقين من المحرم من هذه السنة.
ثم دخل المكتفي مدينة السلام في أحسن زي وأكمل عدة، والقرمطي ومن أسر من أصحابه بين يديه يوم الاثنين مستهل شهر ربيع الأول من هذه السنة.
ودخل بعده محمد بن سليمان في بقية الجنود، ومعه جمع من الأسارى من أصحاب القرمطي ممن تتبع بالشأم.
ثم قتل القرمطي وأصحابه بالدكة التي بنيت لهم في المصلى العتيق ظاهر الجانب الشرقي من مدينة السلام لسبع بقين من شهر ربيع الأول من هذه السنة.
فكان ذلك من أجل الفتوح وأعمها سروراً بخواص الناس وعوامهم، لما أبادوا من الخلق.
وكان ظهوره بالشأم، وما أباد من عساكر الطولونية، سبب خروج محمد بن سليمان إلى مصر، وفتحه إياها وتشتيت أمر آل طولون وانحلال دولتهم وزوال مدتهم، وكان دخوله إياها يوم الخميس مستهل شهر ربيع الأول سنة 292 فكانت مدة دولة بني طولون سبعاً وأربعين سنة وخمسة أشهر وسبعة أيام.
ثم خرج قرمطي آخر، يكنى أبا غانم في جمع من كلب أيضاً بنواحي الشأم في سنة 293.
وقوي أمره وكثر أتباعه، وصار إلى نواحي أذرعات وبصرى من حوران والبثنية من أعمال دمشق.
وعاث وقتل وسبى وصار إلى مدينة طبرية من بلاد الأردن، فدخلها بالسيف، وقتل أميرها جعفر بن ناعم، وكثيراً من الجند والعوام، فجرد السلطان للقائه الحسين بن حمدان التغلبي، فلقيه بالموضع المعروف بخندف من أعمال دمشق.
فجرت بينهما وقعة تكافآ فيها، ثم كانت للحسين عليهم، فانكشف القرمطي منهزمها في البرية، وذلك في شعبان من هذه السنة، وفي ذلك يقول بعض بني كلاب:
لولا حسين يوم وادي خندف

وخيله ورجله لم تشتف

نفس أمير المؤمنين المكتفي

في كلمة له طويلة يصف صاحب هذه الوقعة، وما كان فيها، وأفعال القرامطة بالشأم وسار القرمطي إلى هيت، فقتل من أهلها وضربها بالنار، وارتحل عنها متوجهاً إلى ناحية البر.
وأنفذ المكتفي عدة قواد لطلبه منهم محمد بن إسحاق بن كنداجيق، ومؤنس الخازن المعروف بالفحل، وغيرهما، فاختلفت كلمة من كان معه من الكلبيين وخافوا الفناء لإحاطة العسكر بهم.
فقتله بعضهم غيلة ودفن ليلاً، وتفرق من كان معه، وصار بعض زعماء كلاب ويكنى أبا الذئب برأس القرمطي وكيفه، إلى محمد بن إسحاق بن كنداجيق فأنفذه بما معه إلى الحضرة، وأظهر الرأس بها يوم الأربعاء لخمس خلون من شوال من هذه السنة.
وكان خروج ذكرويه بن مهرويه في الكلبيين، وغيرهم في هذه السنة أيضاً، وهي سنة 293.
وكان من أهل الموضع المعروف بالصوأر على أربعة أميال من القادسية عرضاً في البر.
وقيل إنه أبو من قدمنا ذكره من القرامطة الناجمين بالشأم، وقيل كان قبل خروج عبدان صاحب دعوة القرامطة بسواد الكوفة، وصار إلى مصلى الكوفة في يوم النحر من هذه السنة.
وعليها إسحاق بن إبراهين وإسحاقبن عمران، فقتل من أصحاب السلطان وغيرهم جماعة، وأثاب أصحاب السلطان والرعية فكشفوهم، واستمد إسحاق ابن عمران السلطان، فسار إلى الكوفة رائق المعتضدي، ومعه بشر الأفشيني وجنى الصفواني الخادمان فلقوه بالقرب من الصوأر، فكانت عليهم، وأتى على أكثر الجيش، وذلك في آخر ذي الحجة من هذه السنة.
وتلقى الحاج مرجعهم، فكان أول من لقي منهم قافلة الخراسانية، وكانت عظيمة بالمنزل المعروف بواقصة، فأتى عليهم.
ثم سار إلى المنزل الثاني من هذا المنزل، وهو المنزل المعروف بالعقبة، فأوقع بقافلة السلطان، وعليها مبارك القمي وأبو العشائر أحمد بن نصر العقيلي، وقد كان ولي الثغور الشأمية، فقتلهما وسائر من كان معهما من الأولياء والرعية، ثم لقي قافلة السلطان الثالثة التي فيها الشمسية في الموضع المعروف بالطليح من الهبير، وذلك بين الثعلبية والشقوق في الرمل، فأتى على من كان فيها من الأمراء كنفيس المولدي وأحمد بن سيما وغيرهما من القواد والأولياء وسائر أصناف الناس من سائر الأمصار.
وكان عدة من قتل في هذه القافلة الأخيرة أكثر من خمسين ألفاً دون من قتل قبلها من أهل القوافل.
وسار وصيف بن صوارتكين الخزري، والقاسم بن سيما عن القادسية، لطلبه في جيش كثيف من بني شيبان، وغيرهم من الأولياء. فالتقوا بين الكوفة والبصرة على الماء المعروف باوم، يوم الأحد لست ليال بقين من شهر ربيع الأول سنة 294 فاقتتلوا قتالاً شديداً، فهزم أصحاب ذكرويه، وأخذهم السيف وأسر وبه ضربات، فمات من الغد، وأدخل إلى مدينة السلام ميتاً، قد شد على جمل، ومن أسر معه من أصحابه، ورؤوس من قتل منهم يوم الاثنين، لتسع خلون من شهر ربيع الأول من هذه السنة.

.ذكر خلافة المقتدر:

وبويع المقتدر جعفر بن أحمد المعتضد، ويكنى أبا الفضل، وقيل إن اسمه إسحاق، وإنه إنما اشتهر بجعفر لشبهه بالمتوكل، وأمه أم ولد رومية، تسمى شغب- يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة 295 ولأربعة أشهر من خلافته أجمع جماعة من قواده وكتابه، فيهم الحسين بن حمدان بن حمدون التغلبي ووصيف بن صوارتكين الخزري، ومحمد بن داود بن الجراح، وعلي بن عيسى وغيرهم، من رؤساء الأجناد، ووجوه الكتاب على خلعه، والبيعة لعبد الله بن المعتز.
ففتك الحسين بن حمدان بالعباس بن الحسن، وقتل معه فاتك المعتضدي لمنعه عنه، وخلعوا المقتدر، وبايعوا ابن المعتز، يوم السبت للنصف من شهر ربيع الأول سنة 296، وأقاموا على ذلك يوماً وليلة، ولم يزل المقتدر عن سرير ملكه، ولا أخرج من دار الخلافة.
ثم أناب عدة من خواص الغلمان، فحاربوا شيعة ابن المعتز، فشتتوهم وهربوا على وجوههم، وقتل منهم جمع كثير، وقبض على ابن المعتز، فقتل.
وصفا الأمر للمقتدر، ثم خلع بعد ذلك، وأزيل عن سرير ملكه، وأخرج عن دار الخلافة للنصف من المحرم سنة 317.
وبويع أخوه القاهر، وجلس على سرير الملك، وسلم عليه الخلافة.
وكان من الذين سعوا في خلعه أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان بن حمدون ونازوك المعتضدي، وغيرهما من رؤساء القواد، ووجوه الأجناد، وأدخلوا معهم في الأمر مؤنساً الخادم المظفر على كره منه، ثم أناب عدة من الرجال، ففتكوا بنازوك في الدار، ونادوا باسم المقتدر، وقتل أبو الهيجاء، وتبايع أشياع المقتدر وخواصه، فأعيد إلى سرير ملكه، وجددت له البيعة، وصفا له الأمر، وذلك في يوم الاثنين، لسبع عشرة ليلة خلت من المحرم من هذه السنة.
ثم فسدت الحال بينه وبين مؤنس الخادم، فخرج مؤنس إلى الموصل، ولحقه أكثر الجيش، فعاد إلى مدينة السلام.
وخرج المقتدر فيمن بايعه من الجيوش للقائه، فقتل بظاهر مدينة السلام، مما يلي الشماسية، يوم الأربعاء لثلاث ليال بقين من شوال سنة 330، وله ثمان وثلاثون سنة وشهر وسبعة عشر يوماً.
وكان ربع القامة إلى القصر ما هو، دري اللون، صغير العينين، أحور حسن الوجه واللحية أصهبها، أفضت الخلافة إليه، وهو صغير، غرٌّ ترف، لم يعان الأمور، ولا وقف على أحوال الملك. فكان الأمراء والوزراء والكتاب، يدبرون الأمور، ليس له في ذلك حل ولا عقد، ولا يوصف بتدبير ولا سياسة وغلب على الأمر النساء والخدم وغيرهم، فذهب ما كان في خزائن الخلافة من الأموال والعدد بسوء التدبير الواقع في المملكة، فأداه ذلك إلى سفك دمه، واضطربت الأمور بعده، وزال كثير من رسوم الخلافة.
قال المسعودي: ولم يتقلد الخلافة من أمية وبني العباس إلى وقتنا هذه وهو سنة 345، في خلافة المطيع من اسمه جعفر إلا جعفر المتوكل وجعفر المقتدر، وكان مقتلهما جميعاً في شوال قتل المتوكل على ما قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب ليلة الأربعاء لثلاث ليال خلون من شوال سنة 247 ولم يهج لأجل ذلك فتنة ولا شهر لأجله سيف وقتل المقتدر بين خاصة وضائعه دون سائر من كان معه يوم الأربعاء لثلاث بقين من شوال على ما ذكرنا وتولى قتل المقتدر موالي أبيه المعتضد وكانت في أيامه أمور لم يكن مثلها في الإسلام منها أنه ولي الخلافة، ولم يل أحد قبله من الخلفاء وملوك الإسلام في مثل سنه، لأن الأمر أفضي إليه وله ثلاث عشرة سنة وشهران وثلاثة أيام ومنها أنه ملك خمساً وعشرين سنة إلا خمسة عشر يوماً، ومل يمتلك هذا أحد من الخلفاء وملوك الإسلام قبله ومنها أنه استوزر اثني عشر وزيراً فيهم من وزر له المرتين والثلاث، ولم يعرف فيما قبله أنه استوزر هذه العدة ومنها غلبة النساء على الملك والتدبير حتى أن جارية لأمه تعرف بثمل القهرمانة كانت تحل للنظر في مظالم الخاصة والعامة ويحضرها الوزير والكاتب والقضاة، وأهل العلم ومنها أن الحج بطل فلم يحج في سنة 317 لدخول أبي طاهر سليمان بن حسن ابن بهرام الجنابي القرمطي صاحب البحرين مكة، وكان دخوله إياها يوم الاثنين لسبع خلون من ذي الحجة، ولم يبطل الحج منذ كان الإسلام غير تلك السنة، وغير ذلك من الأحوال التي كانت في أيامه واستوزر العباس بن الحسن على ما كان عليه في أيام المكتفي فلما قتل العباس استوزر علي بن محمد بن موسى بن الفرات، ثم محمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان الملقب بدق صدره، ثم علي بن عيسى بن داود بن الجراح، ثم علي بن محمد بن الفرات الوزارة الثانية، ثم حامد بن العباس ثم علي بن محمد بن الفرات الوزارة الثالثة، ثم عبد الله بن محمد بن عبيد الله الخاقاني وزر وأبوه محمد بن عبيد الله حي، وكانت وفاته بعد وزارة ابنه باثني عشر يوماً، وذلك يوم الاثنين وقت العصر لثمان بقين من شهر ربيع الآخر، وقيل الأول سنة 312وكان آخر من وزر وأبوه حي إلى وقتنا هذا وقد ذكرنا فيما سلف من هذا الكتاب من وزر وأبوه حي مثل أبي سلمة حفص بن سليمان الخلال، وعبيد الله بن خاقان، والعباس بن الحسن ابن أيوب؛ ثم استوزر أحمد بن عبيد الله الخصيبي، ثم علي بن عيسى الوزارة الثانية ثم أبا علي محمد بن علي بن مقلد، ثم سليمان بن الحسن بن مخلد بن الجراح، وهو ابن عم علي ابن عيسى، ثم عبيد الله بن محمد الكلواذاني، ثم الحسين بن القاسم ابن عبيد الله بن سليمان بن وهب، ثم الفضل بن جعفر بن موسى بن الفرات، وكان نقش خاتمه المقتدر بالله؛ وقاضيه محمد بن يوسف بن يعقوب على الجانب الشرقي والكرخ، وقلد قضاء القضاة إلى أن توفي فقلت ابنه عمر بن محمد بن يوسف الجانب الشرقي والكرخ، وعلى مدينة المنصور وأعمالها عبد الله بن علي بن أبي الشوارب، وبعده محمد بن عبد الله وبعده عمر بن الحسن المعروف بالأشناني، وانتقض وبعده الحسن بن عبد الله بن أبي الشوارب، وبعده عمر بن محمد بن يوسف وحجبه سوسن مولاه، ثم نصر القشوري، ثم ياقوت وإبراهيم ومحمد ابنا رائق.
قال المسعودي: ومن الكوائن العظيمة والأنباء الجليلة التي كانت في أيامه ما لم يتقدم مثلها في الإسلام مسير أبي طاهر سليمان بن الحسن بن بهرام الجنابي صاحب البحرين من الإحساء من بلاد البحرين إلى البصرة في أربعمائة فارس على أربع مائة حجرة لا حصان فيها وخمسمائة راجل ودخولهم إياه ليلاً وقتلهم سبكا المفلحي، ومن قدروا عليه من أصحابه، ومن ظهر لهم من الرعية، وذلك في ليلة الخميس لثلاث وقيل لخمس بقين من شهر ربيع الآخر سنة 311 وقيل بل ليلة الاثنين لست بقين منه، وكان مسيرهم من الإحساء إليها في ست ليال وتهارب الناس منهم إلى الأبلة والمفتح والشطوط والأنهار والجزائر، وغير ذلك وأقاموا في البلد سبعة عشر يوماً، ثم رحلوا عنها منقلبين بما احتملوا منها إلى بلدهم، ثم اعترضه الحاج في منصرفهم عن مكة بنواحي الهبير، مما يلي الثعلبية وهو في خمسمائة فارس وستمائة راجل وقتله من قتل من القواد وسائر الأولياء وغيرهم، وأسره أبو الهيجاء عبد الله بن حمادان بن حمدون أميرهم، وأحمد بن بدر العم، وأحمد بن محمد بن كشمرد، وغيرهم من الوجوه وسائر طبقات الناس من النساء والرجال، وأخذهم الشمسية وغيرها من صنوف الأموال التي لا يوقف على تحديدها ومبلغها، وذلك يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من المحرم سنة 312، ثم اعتراضه الحاج في بدأتهم سنة 313 في خمسمائة فارس وستمائة راجل أيضاً وظفره ببعضهم ورجوع الباقين إلى الكوفة ومدينة السلام، ومصيره إلى الكوفة ومواقفته من كان بها من الأولياء الذي جردوا من الحضرة للقائه وهم جعفر بن ورقاء الشيباني، وجنى الصفواني الخادم مولى ابن صفوان العقيلي، وثمل الخادم الدلفي، صاحب أنطاكية والثغور الشامية، وطريف السبكري الخادم وإسحاق بن شروين السبكري وغيرهم من رؤساء الأجناد وهزيمته إياهم وقتله من قتل منهم وأسره جنياً الصفواني وغيره، وذلك يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة من هذه السنة، ثم مسيره عن الكوفة إلى الإحساء بالذرية والثقلة وتسليمه البلد إلى إسماعيل بن يوسف بن محمد بن يوسف المعروف بالأخيضر صاحب اليمامة بن إبراهيم بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ومسير أبي القاسم يوسف بن أبي الساج عن واسط في عساكر للقائه، وكان السلطان أشخصه عما كان يليه من الأعمال من بلاد آذربيجان وأرمينية وأران والبيلقان وغيرها ليستعد من واسط وينفذ إلى بلاد البحرين، وكان مقيماً بواسط، مستمداً إلى أن جاءه الخبر بمسير صاحب البحرين إلى الكوفة، فخرج مبادراً له مسبقه أبو طاهر إليها ونزل الموضع المعروف بالخورنق وحازاها ونزل ابن أبي الساج في اليوم الثاني بالقرب منه في الموضع المعروف بين النهرين مما يلي القرية المعروفة بحروراء وإليها أضيفت الحرورية من الخوارج، وأبو طاهر بينه وبين الكوفة فكانت الوقعة بينهم يوم السبت لتسع خلون من شوال سنة 315 فأسر ابن أبي الساد واصطلم عسكره وأتى على أكثر من ثلاثين ألف فارس وراجل مع تفرق كثير من أصحابه عنه في الطريق وتأخرهم عنه، وصاحب البحرين في نحو من ألفين من المقاتلة أكثرهم رجالة، ثم مسيره عن الكوفة حتى جاز الأنبار وقطع عدة من أصحابه الفرات إلى الجانب الشرقي، فقتلوا من كان بالأنبار من القواد منهم المعروف بالحارثي، وبرغوث وابن بلال ومحمد بن يوسف الخزري وغيرهم من الأولياء، وذلك يوم الثلاثاء لثلاث خلون من ذي القعدة من هذه السنة، وعقد على الفرات جسراً، وخلف السواد والذرية، وعبر في جريدة وخيل من أصحابه إلى الأنبار، وسار عنها يريد الحضرة، حتى انتهى إلى النهير المعروف بزبارا فوق التل المعروف بعقرقوف بفرسخ وذلك على بعض يوم من مدينة السلام وكان مؤنس الخادم نصر، ونصر الحاجب المعروف بالقشوري، وأبو الهيجاء عبد الله بن حمدان، وقد كان أطلقه وغيره ممن سمينا أنه أسر معه قبل رحيله لمواقعة ابن أبي الساج وسائر من كان بالحضرة من عساكر السلطان معسكرين على هذا النهر، فلما أحسوا بدنوه قطعوا القنطرة التي عليها وصار النهر حاجزاً بين الفريقين فشرع قوم من رجالته فرموا النشاب، وذلك في اليوم الثاني عشر والثالث عشر من ذي القعدة من هذه السنة ورجع يريد الأنبار.
وبعث مؤنس غلامه يلبق في نحو من ثلاثة، وقيل من سبعة آلاف على طريق قصر بن هبيرة من طريق الكوفة فعبروا على جسر الفرات المعروف بجسر سورا وساروا في البر ليخالفوه إلى سوداه.
وقد كان قوم من الأولياء، شرعوا في الماء، فأحرقوا الجسر الذي عقده، فحصل في الجانب الشرقي وسواده في الجانب الغربي.
وقيل إنه قطع الجسر عند عبوره، وتأدى إليه خبر يلبق فعبر الفرات في زورق عشرة من أصحابه، فيهم ثلاثة إخوة له، وعبر خلق سباحة فسبق إلى سواده. وقتل أخواه أبو العباس الفضل وأبو يعقوب يوسف، وكانا في السواد بن أبي الساج حين بلغهما قرب يلبق منهم، فلقي يلبق. فأتى على أكثر من كان معه ونجا يلبق منكسراً. وذلك يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة من هذه السنة.
وسار إلى مدينة هيت في ثقله فنزل عليها وحصرها- وأنا يومئذ بها منحدراً من الشأم أريد مدينة السلام- وعبر أصحابه الذين كانوا في جانب الأنبار على أطواف اتخذوها في الموضع المعروف بفم بقة أسفل هيت، فاجتمعوا منه فواقع أهل هيت يوم الأحد لثمان خلون من ذي الحجة من هذه السنة.
وكان عبر إليها من المساء هارون بن غريب الخل، وأبو العلاء سعيد بن حمدان، ويونس غلام الأصمعي وغيرهم من الأولياء. فكان القتال بينهم فوق السور واحترقت له عدة دبابات.
وعاد إلى معسكره وارتحل عنها يوم الاثنين صبيحة الوقعة إلى ناحية رحبة مالك بن طوق وارتفعت من معسكره نار عظيمة عند السحر قبل رحيله فظننا أنه يريد معاوية الحرب وإذا هو قد ضرب ثقلته بالنار لكثرة الذرية والثقلة وقلة الظهر، وصار إلى الرحبة وعليها يومئذ أبو جعفر محمد بن عمرون التغلبي فافتتحها عنوة ونزلها وهي من الجانب الشأمي، وقرقيسيا وهي من الجانب الخزري، وبث منها السوارب إلى النواحي، منها سرية إلى كفر توثا ورأس العين ونصيبين عليها الحسين بن علي بن سنبر الثقفي، ومعاذ الأعرابي الكلابي، فأوقعوا بالأعراب من تغلب والنمر وغيرهم من الحاضرة.
وقد كان أنفذ سليمان الجلي قبل ذلك إلى كفر توثا لحمل الزاد والميرة إلى معسكره، وكان من ذوي النسك منهم والدراية بمذهبهم. وقد كلمت غير واحد من دعاتهم، وذوي المعرفة منهم، فلم أر مثله دراية وتحصيلاً وتديناً بما هو عليه وحسن إتقان للسياسة التي تكون مع الدعاة.
وكان أولاً مع أبي زكريا البحراني، ثم صار مع أبي سعيد الجنابي وولده، ووجه بسرية له في نحو ألفين، وقيل دون ذلك إلى الرقة، وهي على ثلاثين فرسخاً من الرحبة.
وكان على السرية الحسين بن علي بن سنبر ومعاذ الكلابي أيضاً، وكان نزولهما عليها يوم الأحد، لثمان بقين من جمادى الأولى سنة 316، وأميرها نجم غلام جني الصفواني، فكان القتال بينهم يوم الثلاثاء والأربعاء، لخمس بقين من هذا الشهر، وانصرفوا في آخر يوم الأربعاء، وقد أصيب عدة من الفريقين، الأكثر منهم من السرية، راجعين إلى الرحبة.
وأقام صاحب البحرين بالرحبة يروّي في نزول مدينة الرملة من بلاد فلسطين أو مدينة دمشق فيما حكي، ثم عمل على الرجوع إلى بلده لأمور قد ذكرناها في غير هذا الموضع من أخبارهم، فسار عن الرحبة في أول شعبان سنة 316 في البر والماء منحدراً في الفرات.
وكان مقامه بالرحبة، إلى أن خرج عنها نحواً من سبعة أشهر، فنزل على هيت ثانية فقاتلهم قتلاً شديداً في الماء والبر، ولم يكن معه في الأولى سفن، ثم انحدر عليهم، وسار إلى ناحية الكوفة والقادسية. وامتار واجتاز بظاهر البصرة وعاد إلى البحرين، وذلك في آخر المحرم وأول صفر سنة 317.
ثم سار إلى مكة فدخلها يوم الاثنين لسبع خلون من ذي الحجة من هذه السنة في ستمائة فارس وتسعمائة راجل، وأميرها يومئذ محمد بن إسماعيل المعروف بابن مخلب بعد أن كان بها من الأولياء وغيرهم من عوام الناس من الحاج وغيرهم صافوه ثم انكشفوا من بين يديه عند قتل نطيف غلام ابن حاج. وكان من شحنة مكة وممن يعول عليه وأخذ الناس السيف وعاذوا بالمسجد والبيت. فاستحر القتل فيهم وعمهم. وقد تنوزع في عدة من قتل من الناس من أهل البلد وغيرهم من سائر الأمصار فمكثر ومقلل، فمنهم من يقول ثلاثين ألفاً ومنهم من يقول دون ذلك وأكثر. وكل ذلك ظن وحسبان إذ كان لا يضبط وهلك في بطون الأودية ورؤوس الجبال والبراري عطشاً وضراً مالا يدركه الإحصاء واقتلع باب البيت الحرام.
وكان مصفحاً بالذهب وأخذ جميع ما كان من البيت من المحاريب الفضة والجزع وغيره ومعاليق وما يزين به البيت من مناطق ذهب وأنازيرات ذهب وفضة وقلع الحجر الأسود مقدار موضعه ما يدخل فيه اليد إلى أقل من المرفق.
وجرد البيت مما كان عليه من الكسوة. وحمل ذلك على خمسين جملاً إلا ما أصابه الدم عند عوذ الناس به فإنه ترك. وذلك يوم السبت لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة 317.
وكان مقامهم بمكة ثانية أيام يدخلونها غدوة ويخرجون منها عشياً يقتلون وينهبون، ورحل عنها يوم السبت من هذا الشهر، وعرضت له هذيل بن مدركة ابن إلياس بن مضر وهم رجالة في المضايق والشعاب والجبال وحاربوه حرباً شديداً بالنبل والخناجر ومنعوه من المسير واشتبهت عليهم الطرق فأقاموا بذلك ثلاثة أيام حائرين بين الجبال والأودية.
وتخلص كثير من النساء والرجال المأسورين واقتطعت هذيل مما كان معهم ألوفاً كثيرة من الإبل والثقلة. وكان ثقلته على نحو مائة ألف بعير عليها أصناف المال والأمتعة إلى أن دله عبد أسود من عبيد هذيل يقال له زياد استأمن إليه على طريق سلكه فخرج عن المضايق وسار راجعاً إلى بلده.
قال المسعودي: ونحن نذكر في أخبار الراضي فيما يرد من هذا الكتاب ما كان له من السرايا في أيامه وغير ذلك من أحواله.
وكان مقتل الحسين بن منصور المعروف الحلاج من أهل مدينة البيضاء من أرض فارس لست بقين من ذي القعدة سنة 309 ضرب ألف سوط وقطعت يداه ورجلاه، وضربت عنقه وأحرقت جثته، وذلك في مجلس الشرط . . . . . . على سور السجن المعروف بالمترف من هذا الجانب، وكان يوماً عظيماً لمقالات حكيت عنه في الديانة كثر متبعوه عليها والمنقادون إليها، وكان يظهر التصوف والتأله، وقد ذكرنا فيما سلف من كتبنا ما صح عندنا من مذهبه، وذكره في كتبه عند ذكرنا مقالات أرباب النحل ورؤساء الملل.